نقد كتاب (اوتوستوب)

        بناء على طلب بعض الأخوان اعيد نشر النقد الأدبي قام به مشكوراً الكاتب (حمدي العطار) لكتابي (اوتوستوب) والذي نشره في جريدة الحقيقة بتأريخ 18 /11 /2022..

"أوتوستوب " الكتاب الحاصل على جائزة مسابقة الساعاتي لأدب الرحلات لعام 2021. د. سامي سلمان يوقف الزمن رغم التطورات بإشارة تعني (أوتوستوب)
بغداد – حمدي العطار
الرحالة سامي سلمان عندما قام برحلته المثيرة الى أوروبا وشمال أفريقيا عام 1969 كان طالباً في كلية الطب المرحلة الثانية لم يتجاوز عمره 19 عاما! وقد يثير هذا الكتاب الذي ألفه تساؤل ، متى كتب هذه المذكرات؟ فإذا كتبها وهو في ذلك العمر فالأمر لا يستقيم مع خبرة الكاتب الواسعة في مجال السياسة وتحليل الأحداث ووصف الشخصيات والأمكنة التي ظهرت في ثنايا هذا الكتاب! وإذا خزنها في ذاكرته لمدة خمسين عاما وكتبها الان فالذاكرة لا يمكن أن تخزن كل هذه التفاصيل والأسماء والأحداث, فالنسيان يخفي كل التفاصيل – احيانا- وتحدث فجوات في استرجاع الماضي! المرجح ان الرحالة كان يسجل ملاحظات في دفتر مذكراته إلى أن امتلك ناصية التعبير الأدبي فقدم لنا صياغة حديثة ونهائية بأسلوب ناضج وجميل! وعلى الرغم من ان الازمنة والأفكار راحت والدنيا اختلفت, لكن ما كتبه كان ممتعا، وعلى المؤلف أن يحدد الفائدة التي جناها من هذه الرحلة؟. وعلى القراء استنتاج الفوائد من قراءة هذا الكتاب! والرحالة – المؤلف استخدم طريقة جديدة في الكتابة هو نقل أجواء الفيس بوك الى الكتاب من خلال تعقيبات وتعليقات بعض الاصدقاء, وبالذات صديقه المهندس والأديب (علي الدباغ). أما عني فقد شعرت أن الرحالة اراد ان يثبت ان الإنسانية والنفس البشرية طيبة ومتسامحة وتتعايش مع الآخر في اي مكان في العالم!
*الحياة مغامرة
المغامرة لا تقتصر على رحلة المؤلف إلى أوروبا وشمال أفريقيا والتي أطلق عليها ( الحياة إما مغامرة جريئة ..أو لا شيء) فالمغامرة من وجهة نظري هي نوع الكتابة التي اختارها الرحالة لتسجيل رحلته عبر ما يشبه المذكرات التي تبدأ من 15 تموز 1969 وتنطلق من بغداد –اسطنبول لتنتهي في 6 تشرين اول 1969. وتشمل الرحلة دول ومدن أوروبية ( اسطنبول – بلغاريا- يوغسلافيا- هنغاريا- فيينا- براغ – ألمانيا- هولندا- اسبانيا- ايطاليا) والى مدن شمال أفريقيا (الجزائر – تونس) - ثم اسطنبول مرة اخرى رجوعا الى بغداد.
يقع الكتاب في 528 صفحة من القطع الكبير وهو من إصدار دار الكتب العلمية للطباعة والنشر والتوزيع سنة الاصدار 2021، ويحتوي الكتاب على 84 عنوان.
اوتوستوب ماذا تعني؟
وسيلة النقل التي اختارها الرحالة سامي كانت (اتوستوب), فكرة اقتبسها المؤلف من وجوده في البصرة مصادفة!. يقول في مقدمة الكتاب (سائح اشقر اوربي..يحمل حقيبة ظهره وفي ملابسه الرثة مر بنا فدعوناه لتناول المرطبات معنا.. استجاب لدعوتنا على الفور.. ودخلت معه في استجواب عن الترحال بطريقة الرحالة (الاتوستوب).. اخبرنا انه في طريقه إلى إيران ثم بعدها الى الهند..استهوتني كثيرا طريقة سفره هذه.. وفي داخلي تملكني الحلم ان اقوم برحلة مشابهة ولكن بإتجاه الغرب.. بحقيبة ظهر احملها على اكتافي واحمل كيس نوم وخيمة ثم اتنقل في دول اوربا لاستكشافها بالتأشير للسفر مجانا بطريقة (الأوتوستوب)...
كتابة متعددة المستويات
باللغة البسيطة والرشيقة الموحية و المضمون الواقعي والسرد الذي فيه تحليل وبالحوار الذكي والملاحظة الدقيقة وسرعة البديهية وجمال الوصف والروح المرحة يقدم لنا الرحالة مشاهداته اليومية وهو يتنقل من قطار الى سيارة الى السير على الأقدام ويلتقي بعشرات المسافرين من كل دول العالم ، يتعرف عليهم ويعيش معهم يتقاسمون قطعة الخبز ويشتركون بالضحكة والمسرّة والقفشات المرحة وسرعان ما يودع أحدهم الآخر في علاقات عابرة بريئة غير معقدة!
" تحرك القطار وانا جالس في المقصورة الجديدة.. وبدأت اناقش الحاج (حسن) في قضايا مختلفة..لأنه بالرغم من كبر سنه.. ومحدودية تعليمه.. إلا أنه كان ذو ثقافة طيبة وقابلية ممتعة جدا في الحديث.. و بأسلوب مسلي.. حيث بدأ يحكي لي قصة ( ماني) أو (مانو) النبي الفارسي الذي يعتبر أول من نادى بالشيوعية والاشتراكية.. حيث كل البشر متساوون... ويعيشون في عالم مثالي!.."ص11"
بمثل هذه المقدمات يكشف لنا الرحالة عن الشخصيات التي يلتقي بها ويدور دائما نقاشا وحوارا لقتل الوقت والتخلص من الملل في ساعات السفر الطويلة، ولا يقتصر الحديث والنقاش فقط مع الرجال ففي الرحلة هناك الكثير من الفتيات والصبايا من كل دول العالم قد يلتقي بهم الرحالة لدقائق او ساعات او حتى ليالي ولكن الفراق دائما عنوانا لمثل هذه العلاقات العابرة التي لا تخلف إلا ذكرى جميلة..
" انتبهت الى شابة اخرى..كانت تقف خلفها..جميلة جدا.. سمراء.. عربية الملامح.. طويلة الشعر.. ترتدي بنطلونا اسوداً ضيقا.. أظهر جزءا كبيرا من مفاتنها.. نهداها صغيران ولكنهما ناهضان بارزان بشكل عنيف وراء قميصها المشجر الملتصق على جسدها.. كانت طويلة القامة.. ربما اقصر مني بثلاثة او اربعة سنتمترات.. كانت ذات انوثة طاغية وجمال مثير أخاذ" (ص12)
هكذا يصف الفتاة التركية التي التقى بها في القطار! سيجد القارئ الكثير من هذا الوصف في الكتاب، وهو أكثر من وصف الأمكنة! كما سيجد القارئ العديد من المناقشات الجادة السياسية والاجتماعية وحتى الدينية مع الآخر الأجنبي حول ( القضية الفلسطينية ، والاشتراكية والشيوعية وحركة الأكراد والاستعمار والاستغلال والديانة البوذية واليهود والنازية وغيرها)!
الكتاب جيد وفيه الشيء المفيد ومع أن النقاشات في الأمور السياسية والفلسفية والعادات والتقاليد لا تتوفر فيها أركان الحوار كلها إنما هي جملة آراء ساقها الرحالة من مواجهات شخصية عفوية مباشرة.
نتلمس من هذا الكتاب بإن الرحالة د. سامي سلمان يحمل صفة (سائح لفترة قصيرة) وعلى الرغم أن زمن الرحلة بعيدا ولم يعد الزمن هو الزمن فقد تغيرت الأشياء والمواقف 180 درجة ولكن الاطلاع على هذه التجربة الغنية فيها المتعة والفائدة..
تجربة خاصة في تدوين أدب الرحلات
ما يحسب لصالح الرحالة د.سامي سلمان هو أن رحلته التي يقدمها لنا نابعة من تجربته الخاصة والمميزة, لم يقلد فيها أي رحالة أو أي كتاب يختص بأدب الرحلات، فهو لم يقتبس من الآخرين (الرحالة) ما يكتبون ليلصقها في كتابه ولم يعتمد على ما متوفر الان من معلومات هائلة في شبكة الانترنت و يدرجها في هذا الكتاب، بل هو اعتمد على مشاهداته اليومية للمدن التي مر بها – سريعا- عدا مكوثه في ألمانيا! وكنت اقصد بعبارة (سائح لفترة قصيرة) هو نوع التأشيرة التي يحصل عليها من الحدود الأوربية ويكون الغرض منها العبور ( الترانسيت) وهذه التأشيرة لا تسمح له بالبقاء في تلك المدن أكثر من 48 ساعة وهي فترة قصيرة! قد لا تسمح بتكوين لدى الرحالة انطباعات وآراء للتعبير عن العادات والتقاليد والتعرف على المعالم السياحية المتنوعة مع هذا أجاد المؤلف في كل من مدن (بلغاريا ويوغسلافيا وهنغاريا وجيكوسلوفاكيا ) ايما اجادة وهو يعطي لمحة عن آراء بعض الشخصيات وهي تعبر عن تذمرها من تأثير وجود الجيش السوفيتي على أراضيها كما يرى هؤلاء أن من حقهم ان يعيشوا مثل شعوب أوربا الغربية، لكن تجربة سقوط الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية لم توفر الربيع الأوربي لشعوب أوروبا الشرقية! كما أن المؤلف يستخدم مصطلح الروس ويقصد السوفيت لأن الاتحاد السوفيتي كان قائما فيقول في (ص115) عند دخوله الى هنغاريا " حصلنا على سيارة تقلنا من الحدود.. كان صاحبها طالب يكره الروس كرها شديدا.. أوصلنا إلى مدينة (سجد) وهناك أخرج يده من السيارة وأشار لنا إلى مجموعة من الجنود..
قال : هل ترونهم؟ هؤلاء جنود روس!..عليهم اللعنة!،،
نظرنا إليهم .. ثم قلنا له: لماذا؟
قال مستنكرا : لماذا؟ لأنهم هنا منذ الحرب العالمية الثانية.. حتى اليوم!..أنهم محتلون.. مستعمرون.. كأي استعمار آخر!"
الوجود الأمريكي مكروه
يتناول الكتاب الذي بين أيدينا قضايا سياسية تنطوي على شيء من التشاؤم بالنسبة لبعض المظاهر التي صادفته في ألمانيا ومنها الابتذال الجنسي والمخدرات وقواعد الوجود الأمريكي!
في هامبورغ وألمانيا بالنظر لمكوث المؤلف كسائح لفترة طويلة فهو قد حصل على الفيزا من السفارة الالمانية، توفرت له الفرصة اكثر من اي مكان اخر للرصد والتحليل والتعليق وهو ايضا يعبر عن رفض الوجود الامريكي في المانيا وكذلك في هولندا فالمؤلف يصفه بهذه الاوصاف (معظم السواح هم من الأمريكيين الكريهين.. فالامريكان (إذا دخلوا قرية أفسدوها)! بدولاراتهم وبطاقات الائتمان، وعاداتهم السخيفة وأخلاقهم الخشنة التي تشبه أخلاق اجدادهم من ذابحي الهنود الحمر!.. ليس لهم اصل ولا جذور.. ولا حضارة ولا تاريخ)!.
رفيق السفر المكسيكي
ومع وجود رفيق السفر المكسيكي اليساري الجيفاري مع المؤلف واسمه (خوزيه) شكل إضافة نوعية وتنوع في المواقف بين الاثنين! و لقاء صديق طفولته (عماد) صار المكان هو طريق الرحالة للاحساس العميق بالمكان والتاريخ ولجأ المؤلف للتعبير عن رؤيته تجاه المعسكر الاشتراكي ومقارنته بالمعسكر الرأسمالي، ويستشهد بقول صديقه المكسيكي (خوزيه) في نقد التجربة السوفيتية، كما أن تعليقات المهندس والأديب (علي الدباغ) التي غالبا ما تكون تعقيبا على كل عنوان من عناوين الكتاب تضيء أحيانا بعض مناطق العتمة فهو يقول عن الفتيات الهنغاريات العاملات في المصانع ما يلي:
"رفيقات بروليتاريا يائسة ممحونة ترتجي رفيقا! ( لا يهم من هو)! ليؤنس وحدتهن بعد عودتهن من عمل يوم متعب!"..
يا لها من صورة!! ويا لها من مقارنة بين تجربتين شيوعيتين في الاتحاد السوفيتي والصين الشعبية.. ويا لها من بانوراما صورتها عين قادرة على التقاط التفاصيل التي يكمن الشيطان فيها.. قراءة تفكيكية وسرد تركيبي يوصل الفكرة بسلاسة ساحرة!… وخوزيه!!! ذلك البوهيمي الفكه والذي حمل عنك كل الذنوب صار وكأنه ( القصخون) التراثي و( الحكواتي) الذي على عهدته تمر الخطايا مضخمة بعطر الترحال وألوان التسفار" (ص118) حقا هذا المهندس يكتب أحيانا قصائد نثر في مديح رحلتكم وسردكم!
المغامرات مع النساء
لم تكن مغامرات الرحالة مع النساء فيها طابع جنسي فهو من اصحاب العلاقات الانسانية التي تقتصر عنده العلاقة من النساء على الصداقة و الكلام وتبادل مشاعر الاعجاب ومثل هكذا رجل قد لا يعجب معظم النساء على الأخص الاوربيات!.
" فبقينا انا وفتاتي نتمشى ساكتين وهي تتبع سيجارة باخرى.. ولسان حالها يقول ( خ.. بحظّي.. هذا منين اجاني هل حقنه!..لا يتغزل لا يجامل لا يلزم ايد)!!..
كنت جالسا متسمرا مع هذه الفتاة.. التي سببت لها عقد نفسية مستديمة.. إذ لم يسبق لي ان لمست فتاة سابقا.. والخجل العراقي كان ولا يزال يتلبسني.. رغم انني لم أكن متدينا آنذاك ..ولكني عراقي ..نشأ وتربى على العزل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية!! كانت رفيقتي تحش السيجارة تلو الاخرى..وتسترق النظر لي.. لسان حالها يقول (هو حلووووووو… بس حقنة) (ص128 )
وإذا كان هذا موقفه مع العلاقات العاطفية فله موقف حازم تجاه بيع الجنس وعبّر عنه عند زيارته (سانت باولي) في هامبورغ (من أهم مناطق اللذة والمتعة والملاهي والجنس المحرم في أوروبا), فيصف النساء والجنس المبتذل بهذا الشكل:
" واجهات من الألواح الزجاجية الكبيرة.. وقد جلست خلفها نسوة منهن يرتدين مايوهات السباحة، وأخريات قد تعّرين تماما في الجزء العلوي ( فوق الحزام) .. قسم آخر جلسن وهن عاريات تماما!.. والمتفرج الذي يمر والراغب ب( الشراء) يدخل تلك البيوت ويدفع ثمن الصفقة المحرمة.. اي قيمة تبقى للحياة لو إن الناس كلهم انجرفوا في تيار الجنس المبتذل في الشارع في (سانت بإولي)؟ ما قيمة الحب والزواج والأسرة والتربية عندما يشبع الإنسان رغباته بهذه الطريقة المبتذلة المقززة؟" (ص197)!
شروط اوتوستوب
يوضح المؤلف بعض نصائح الانتقال عن طريق أوتوستوب لأن ( كثير من أصحاب السيارات لا يرغبون بأن يستضيفوا اثنين من السياح في سياراتهم.. خوفا من المشاكل.. ولكنهم يفضلون مساعدة من يسافر لوحده.. أو من يسافر ومعه فتاة (خصوصا إن كانت حسناء)!..
السفر عند الرحالة د. سامي سلمان ليس مجرد وسيلة للتسلية هو وسيلة ايضا للمعرفة واكتشاف المجهول بالمغامرة ووسيلة للمنفعة واكتساب الخبرة في التعامل مع كل انواع البشر.
* وصف الماضي الذي لم يعد موجوداً
يتميز أسلوب المؤلف بعرض ما يراه بلغة سهلة ويروي ما رآه بلا أية مساحة للخيال، الخيال الوحيد المستخدم في الكتاب هو خيال (استعادي) يعيد وصف الماضي على النحو الذي لم يعد موجوداً! وبهذا الكتاب الشائق الذي قدمنا عرضا له يتعرف القارئ كيف كان العالم الاوربي قبل أكثر من 50 عاما ويستطيع المقارنة بين الماضي والحاضر ويربط التغييرات الكبيرة والتحولات في التعامل الإنساني وما جرى من أحداث سياسية خلال الخمسين سنة الماضية على الدول والشعوب وكيف صار العالم يتعامل مع العراقيين الذين كانوا يستطيعون الحصول على التأشيرة –الفيزا- على الحدود الاوروبية.. الآن يتعرضون إلى شتى أنواع المخاطر والصعوبات وقد تصل الى الموت غرقاً او رمياً بالرصاص وهم يهاجرون بصورة غير شرعية الى اوروبا! ولم يبق لنا الا ان نتوقف عند رحلة د. سامي سلمان إلى الدول العربية (الجزائر) بالذات التي مكث في مدنها زمنا أطول من تونس التي صادف زيارتها إليها صعوبات منح التأشيرة عند الحدود الجزائرية – التونسية بسبب البيروقراطية، وكذلك تعرض تونس الى الفيضانات في ذلك الوقت عام 1969! أما ليبيا فلم يستطع الرحالة الوصول إليها بسبب الانقلاب العسكري الذي قاده القذافي ضد الملك السنوسي عام 1969 وغلق الحدود الليبية لكل مسافر أجنبي او غير ليبي!
الحياة بدون مغامرة أو لاشيء
بهذا العنوان الذي كان عتبة في الكتاب يوضح المؤلف في ثنايا مؤلفه كيف شاهد الجزائر عام 1969، وتسمع في هذا الفصل صرخة الكاتب وحرقته على عروبة الجزائر ويشيد بشجاعتهم وطيبتهم ويحزن لأنهم يعدون دول المشرق العربي ( مخانيث)!
" انتم خسرتم الحرب مع اليهود؟ لو كان الجزائريون هم من حارب اليهود لما خسروا.. الجزائريون شجعان.. انتم لم تصبروا على الحرب لذلك خسرتم " (ص409 )،
ويمر بالوصف على مدينة وهران ( عاصمة الثورة الجزائرية) موضحا الازياء والملابس وغطاء الرأس الذي ( يتركونه – الرجال- معلقا خلف الظهر أو يبقونه فوق العمائم الكبيرة) ثم وجود خدمة المبيت في الحمامات بعد الاستحمام كما حدث له في مدينة ( سيدي بلعباس) وهناك إشارات عديدة الى استخدام اللغة الفرنسية في الحديث معه لأنهم يعتقدون أنه سائح اوربي! ولا ينسى أن يتكلم عن الثورة الجزائرية ويستمع حكايات مرعبة عن ( مذبحة سطيف) عام 1945 – التي راح ضحيتها الآلاف من الجزائريين- ويتطرق الى عداء الجزائريين للمصريين متعجبا لأن مصر هي من كانت تساعد الجزائر في حرب الاستقلال .
الأراضي الزراعية والعنب..
اما عن تحويل كل الأراضي الزراعية في الجزائر إلى بساتين لزراعة العنب (لصنع النبيذ والخمر منه) – وهي خطة فرنسية لشراء العنب بثمن بخس! وتحدث المؤلف عن الفولكلور الجزائري الجميل ( رقص وغناء) عندما حضر حفلاً للزواج غاية في الروعة واستمتع برقصة (الهدّاوي) وهي حركات رقص تشبه ما كان يفعله مايكل جاكسون، واستعمل مسحوق ( شمّة حرشة) التي جعلته -يحس بخدر لذيذ و يسبح في فضاء لا نهائي، زادته بهجة المكان والموسيقى الجميلة والجو الرائع شعورا عارما بالحب والسعادة والثقة بالنفس"(ص422 )، وتطرق المؤلف الى الجانب السياسي وعن ( أحمد بن بيللا) الذي كان شخصية محبوبة من قبل العراق وفي العالم العربي لكن انقلابا حصل ضّده تفاصيله غامضة واختفت اخباره وحل محله (الهواري بومدين).
عاصمة الشرق الجزائرية
إنها "قسنطينة" وصفها المؤلف بأنها ( ابدع مدينة رأيتها في الجزائر) – منظر الوادي السحيق الذي يشطر المدينة.. أو ان المدينة فعلا على قمة جبلين او جبل واحد مشطور الى شطرين- ومنه توجه إلى مدينة ( عنابة) واثنى على نظافة شوارعها والجمال في كل ركن وكل جانب – ان عنابة بترتيبها البديع واناقتها هذه تفوق جمال أي عاصمة عربية من العواصم التي رأيتها- وهي مدينة استوطن فيها الفرنسيون والأوروبيون ( لكن ما ان اعلن عن اتفاقية "إيفيان" واستقلال الجزائر حتى هرب هؤلاء بالطائرات والبواخر والسيارات تاركين مساكنهم وقصورهم و عماراتهم... التي هجم عليها الفلاحون والعمال واحتلوها وتملوكها!!(ص436 )
الخاتمة
لا يفوتني أن أؤكد أن هذا الكتاب( أوتوستوب) هو أحد الكتب الذي لا تمّل ابدا.. وانت تطالع صفحاته التي تسلمك احدها الى الاخرى وان تتجول مع الرحالة بين المدن التي كتب عنها المؤلف.
د. سامي سلمان اديب رحلات مختلف تماما عما عهدناه! وما علي الا ان انهي هذه القراءة بوصف جميل لصديق الرحالة الأديب المهندس "علي الدباغ" والذي كانت تعليقاته الذكية احدى محاور هذا الكتاب! قائلاً:
ها أنا أرى العالم بعينيك الجميلتين ومع حقيبة الظهر التي تحملها وبما يدبجه يراعك الخلاق بمداد من الوان قوس قزح"
انتهت
May be an image of 1 person and text
Rand Mahmood and Heidar Al Attar

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

4-2 بكرين و صدّامين وأربع قصص حزينة

2-16 دار اطباء مستشفى الكرامة

2-3 فوندو-سكوب