2-16 دار اطباء مستشفى الكرامة

 ٢-١٦ دار أطباء مستشفى الكرامة





(دار  أطباء مستشفى الكرامة) كان  فعلاً داراً منفصلاً  ومعزولاً  عن العيادة  الخارجية وكذلك عن باقي ابنية المستشفى.. حيث ان  مستشفى الكرامة  كان  عبارة عن ابنية منفصلة عن بعضها تفصلها ممرات وحدائق, وهذا ما  يجعله مسشتفى متميزاً..

أول ما يستقبلك  في (الدار) هو الموظفان المعينان للخدمة في  الدار. أحدهما  كنا نسميه (عبيچي) كان يستلم  مبلغ النثرية البسيط  المخصص  للأطباء  مقابل  توفير  وجبات  طعام  لذيذة جداً نتطلع  لتناولها بعد  نهاراتنا  وليالينا  المتعبة.  المعين  الثاني (نسيت اسمه) كان  يوفر  لنا  خدمة  غسيل  جميع ملابسنا وكيّها وترتيبها بشكل  انيق. وبما إنه يتقاضى مبلغاً مقطوعاً شهرياً عشرة دنانير  فقد كنا  نعطيه حتى الملابس الداخلية لغسلها  وكيّها ونستلمها وهي  مرتبة بشكل  أنيق  يليق بطبيب  في  م (الكرامة).

أما المقيمين الأقدمين فأول ما اذكره هو د (فوزي) في  قسم  الجراحة وهو شاب  من مسيحيي الموصل. كان طويلاً  نحيفاً  وقد استلم  واجب ال (دي جيDJ )  لدار الأطباء. حيث  هناك جهاز تسجيل  كبير من من  النوع  القديم الذي  تضع فيه بكرتان إحداهما فيها  شريط بني  اللون والأخرى فارغة.. كانت  تلك  الأجهزة تعز ف   لنا أروع  الأغاني  العربية والعراقية. لكن إختصاص  (فوزي)  كان  في  جميع  مقامات وأغاني  مطربة العراق  الراحلة الرائعة (زهور حسين), وعندما تدخل في مقاماتها الرائعة  بصوتها الأبحّ فإنه كان يحدثها كما  لو  كانت جالسة أمامه إذ يقترب  من المسجل وهو يضرب  صدره بقبضة يده  ويقول لها  بلهجته (المصلاوية المسيحية) الحبيبة وبلوعة "دبّكي..دبّكي على قلبي"!

أما المسيحي   الآخر فهو المقيم الاقدم  في الجراحة (واصف كتو) والذي  توفاه الله قبل بضعة  شهور. كان (واصف) (والذي يسميه القرويون (واسف))  من  أظرف الناس الذين تعرفت بهم  وكنا نتوق لجلساتنا في بهو دار الأطباء أثناء  تناول وجبات  الغداء والعشاء لنستمتع بقصصه الظريفة مع  مرضاه القادمين  من الريف ومن الجنوب, حيث كان يجعلنا نضحك لساعات  متواصلة..

الشخص الثالث كان  (معروف) وهو حسب  ما أعتقد كردي من  أربيل, كان مقيم أقدم باطنية.. وكان هو الآخر من الظرفاء الذين كنا نستمتع برواياتهم. 

         كان هناك المقيمين الأقدمين  الآخرين (شوكت) في الأنف والأذن والحنجرة, (شوقي غزالة) في الجراحة البولية..وأخوان آخرين قد  يسعفني الحظ  بتذكرهم (وربما يساعدني من ينظر الى الصورة المرفقة والتي يظهر فيها  المرحوم واصف كتو  بالبيجاما)..

          في مستشفى الكرامة  ولأول مرة إكتشفت ان هناك من يبلغ به  التكاسل في العمل وكره الإحتكاك بالمرضى بأن يقوم ببيع واجبات العيادة الخارجية والخفارات المسائية بمبلغ شهري  مقطوع وأن هناك من يشتريها منه لكونه يعشق العمل  ويحب  التواجد مع المرضى! ففي ألأيام الأواخر من كل شهر يتم طبع جدول واجبات العيادة الخارجية والخفارات الليلية للشهر المقبل, ويقوم أحد  الزملاء بشطب اسم (البائع) ووضع  اسمه محله.. اما انا فقد كنت أعشق عملي في المستشفى, بحيث أن (محمد زيور) المفتش الخاص بالمستشفيات جاء مستشفانا على حين غرة كعادته في إحدى الليالي وأخذ يجرد  اسماء الأطباء المتواجدين ثم استدار لي وقال "لماذا انت متواجد مع إن اليوم هو يوم اجازتك الإسبوعية ؟ أجبته  أنا  اخشى ان أذهب الى بيتنا و تأخذني نومة واتخلف عن المجئ في الصباح الباكر! وكانت تلك هي  الحقيقة فعلاً إذ صارت حياة  المستشفى هي كل حياتنا!

      في دار الأطباء, كنت أسكن  في غرفة ذات ثلاثة أسرّة, يشاركني فيها  (عزم السنوي) والمرحوم (ضياء نعمان). وعندما يأتي الصباح وبينما الأمر الطبيعي أن   يستيقظ الناس وهم مكتئبون, وجوههم كالحة,   يحيط بعيونهم  قذى النوم!. أما نحن فقد  كنا من طينة اخرى! كان أحدنا يستيقظ أولاً.. أحياناً (عزم)  واحياناً (ضياء) واحياناً اخرى (انا) ثم يبدأ ينادي بصوت عالي  "بن بحري"! "يرد عليه الآخر-وهو لايزال متغط بالبطاّنية-  "وبنحبّوه" ثم يردد الثالث "ومن بدري بنستنوه" وبعدها نقفز نحن الثالثة من اسرتّنا الى وسط الغرفة, ونبدأ بشوط من الرقص الشرقي! ونحن نغني أغنية هدى سلطان" بن بحري وبنحبوه.. ع الناصية بنستنوه", رقص وغناء يتبعها رقص وغناء.. وذلك قبل الذهاب للحمامات ومن ثم تناول الفطور, ثم وبعدها الذهاب للعمل كل الى الردهة التي يعمل بها!

        المقيم الأقدم  الذي رأيت أن  أختم به حديثي هو  (محمد  عقراوي).. وهو  كردي طيب جداً  كان مقيم  أقدم  في (الكسور), وكان من أفضل مقيمي الكسور و أمهرهم.  في ذلك الوقت كانت (الكسور)  في مستشفى الكرامة  قبلة العراق كله فقد  كان  يعمل  بها  أبرع وأفضل  الجراحين في  العراق, وبالتالي فقد  كانت العيادة الخارجية للكسور تغص يومياً بالمئات من  المراجعين. ولما  كانت حالة  الكثير منهم  حرجة,  فقد كانت  تنشأ مشاجرات  يومية  بين المراجعين انفسهم أو بينهم  وبين (محمد عقراوي) والذي  كانت كلمته واحدة ككل  الأكراد (نا… تعني نا).. وبالتالي يفقد  (محمد عقراوي) أعصابه في  كل مرّة.. وينتهي صبره ويهجم على المتجاوزين حيث تتطور المعركة التي  تحصل كل يوم, وتنتهي بتدخل شرطة مستشفى الكرامة بضابطهم  و أفرادهم لفض الإشتباكات  المستمرة..

    زميلي (جواد) باشر  في  الكسور في نفس اليوم الذي  باشرت أنا في (الأطفال) بعد (صمودنا)  ونقلنا من (النسائية والتوليد).. وفي نفس ذلك اليوم.. يوم  (جواد) ألأول في (الكسور) وعند الظهر جاءنا زميلنا (نجاح سرسم) وهو يضحك  ويقول:

"ياجماعة.. متدرون شصار بالعيادة الخارجية مال الكسور؟.. (جواد) تشاجر مع مريض وأوشك أن  يفتك به.. تصوروا... أن (محمد  عقراوي) كان ممسك به  وهو يقول يمعود.. متسوى..هدّي أعصابك!"


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

4-2 بكرين و صدّامين وأربع قصص حزينة

2-3 فوندو-سكوب