طلاب الطب و الضفادع!ا

 صفحة من كتابي (فيض الذكريات-يوميات طالب طب) ارجو ان تروق لكم..

طلاب الطب و الضفادع!ا


مّرت الايام سهلة ويسيرة جدا علينا نحن خريجو(كلية بغداد) حين كنا في المرحلة الأولى من كلية الطب-جامعة بغداد, وصعبة للغاية, بل شبه مستحيلة, على زملائنا القادمين من الإعداديات الأخرى في المرحلة بعينها, إذ كان عليهم إتقان اللغة الإنجليزية وتعلّم المصطلحات الطبية الصعبة, بينما معظم تلك المصطلحات كانت قد مّرت بنا في أثناء دراستنا في (كلية بغداد). كان من التدريسيين المتميزين في كلية الطب أستاذ مادة الاحياء (البايولوجي) و اسمه (حنا زكريا) وهو من أفضل من تدريسيي مادة الأحياء (البايولوجي). فقد جعل من قسمه متحفاً, كان يدرَّس مادته بحماس وإخلاص. وبما أن الفصل الاول من البايولوجي كان لزاماً علينا تشريح الضفادع ودراسة وظائفها العضوية, و مجمل محاضراته عن (الضفدع), فقد أطلق عليه طلبة المرحلة اسمه الرسمي (حنا فروغ Frog)! أي (حنا الضفدع) ويبدو أنه قد سمع بهذا اللقب ولم يمتعض منه!.....
كان جزءُ من تدريبنا , تشريح الضفادع وهي حية لدراسة قلبها وهو ينبض وسريان الدم في شريانها الأبهر والوريد الأجوف وغيرهما من الأجزاء. ففي بداية العام الدراسي أسرعنا جميعاً إلى (شارع الرشيد), حيث محلّات (أوروزدي باك) وهناك اشتريت عُدّة التشريح المتكونة من سكين من الحديد غير القابل للصدأ ومقص مدبب وآخر خاص بقطع العظام.. ملاقط معدنية لمّاعة ومسبار حاد وعدسة مكبرة, كل تلك مصفوفة بعناية داخل علبة خشبية خاصة بها.
مختبر الأحياء الواقع في الطابق الرابع من بناية العلوم الأساسية كان قد تعاقد مع أحد الموظفين على استلام أعداد كبيرة من الضفادع (وهي حيّة) كل عام لغرض تشريحها. وبسرعة تعلمت كيف اُمسك بالضفدع بطريقة فنية من دون أن أؤذيها ثم أغرس دبوساً حاداً في أسفل الفقرة الأولى تحت الجمجمة مباشرة و بتحريك الدبوس بشكل دائري يتم إحداث شلل تام في أطراف الضفدع على الرغم من أنّها لا تزال حية. ثم تعلمنا كيف نقص جلدها ونفتح بطنها لرؤية أجهزتها الداخلية كالقلب والشرايين والأوردة وهي لا تزال تؤدي وظائفها بعد ان نقوم بإلقاء محلول ماء الملح المخفف عليها بين دقيقة واخرى لمنعها من الجفاف!
لم يكن بامكان زميلاتنا الرقيقات أن تمد إحداهن يدها في داخل القفص ذي الرائحة الكريهة والإمساك بإحدى تلك الضفادع (على الرغم من أنّ البعض منهن كن يفعلنها وبقوة أعصاب يُحسدنَ عليها)!. كانت الضفدع تتبول على أيدينا فور امساكنا بها!! وهو آخر أسلحتها لـ إقناعنا بتركها بسلام! ولكن هيهات. وفي بعض الأحيان عندما تجرأت إحدى زميلاتنا على الإمساك بإحدى الضفادع و بمجرد أن (تبول) الضفدع الماكر على يديها حتى أطلقت سراحه من دون وعي منها! هرب الضفدع وبدأت المطاردة للقبض على الهارب المسكين وإعادته الى الزميلة!.
وكانت فرصة لنا وإحدى الوسائل لإبراز عضلاتنا أمام زميلاتنا الحسناوات وابداء المساعدة ومد يد العون لزميلاتنا الحسناوات ومد أيدينا إلى داخل القفص والإمساك بالضفادع والقيام بالخطوات الخاصة لإحداث الشلل التام للضفدع! ثم وضع الضفدع وهو مشلول لا يتحرك وجاهز للتشريح أمام منضدة الزميلة, ونحن ننتظر منها نظرة شكر وإعجاب.. ونحن نعتقد أن لسان حالها يقول:
(يا لك من مغوار..أنت فارس أحلامي..أنت بَطَلي)!.
وتمضي السنين.. وأجد نفسي استاذاَ في كلية الطب-جامعة بغداد, وتتم دعوتي كضيف على مؤتمر الجمعية العربية لأمراض المفاصل في أواخر عام 2003 والذي انعقد في فندق فينيقيا (يلفظونه في لبنان: فونيسيا) في بيروت. الفندق هو ارقى فندق في بيروت وقد اشتهر بكون ارقى إقامة والطعام يقدم فيه.
في أول يوم من المؤتمر وفي فترة الغداء كانت هناك (بوفيه) كبيرة تحتوي كل مالذ وطاب من الطعام.. وعلى طاولة المقبلات رأيت صحناَ كبيراً يحتوي على (أجنحة دجاج) محمصة ومتبلة ومعروضة بشكل شهي.. التقطت واحدة منها والتهمتها بشهية.. إلا أنني انتبهت الى كون العظام المتخلفة منها لم تشبه عظام (جناح) الدجاج, (لم يكن ذلك صعباً علي.. خصوصاً وأنا طبيب مفاصل!) وعندما سألت أحد الطباخين عنها… اخبرني ان تلك كانت (افخاذ ضفادع) وهي تعتبر أكلة الطبقة الراقية في بيروت!.. أصابني الوجوم ولم افعل شيئاَ.. فقدكان طعمها مشابه تماماً لطعم.. جناح الدجاج!!
في عام 2005 كان لنا دورة تدريبية رائعة على هشاشة العظام وكيفية قياسها, وكانت الندوة قد عقدت في منتجع (ذا فيلاج) على ربوة (برمانا).. وباستضافة كاملة من الزملاء في جمعية (ترقق العظام اللبنانية). المنتجع عبارة عن جنة ساحرة وابنية متفرقة لكن متقاربة من بعضها هي أكثر ترفاً من فنادق الخمسة نجوم..
في إحدى دعوات الغداء.. كان أحد زملائي (الدكتور طلال) الجالس جنبي منهمكاً في حوار مهم وحماسي مع الزميل الجالس جنبه, عندما اقترب النادل وهو يحمل صينية تحتوي ما بدا لي (أجنحة الدجاج), إلا أنني لم أقع في الفخ هذه المرة! فقد سألته عنها فأخبرني أنها (أفخاذ.. ضفادع)!.. شكرته وأخبرته انني لا اريد منها شيئاً وأنني متنازل عن حصتي منها لزميلي الجالس جنبي.. وفعلاً وضع قطعتين منها في صحن زميلي الذي التهمها على عجالة دون انتباه منه فقد كان مازال منهمكاً في حوار ساخن مع جاره..
بعد ان فرغ من تناولها, قطعت عليه حديثه ثم سألته عن هذا الذي أكله توّاً"؟؟
أجابني "اجنحة دجاج!"
أخبرته "هي أفخاذ ضفادع!"..
بقي بعدها يتمتم.. "لا بالله!.. لا بالله.."! لكنه كان قد تناولها.. تلك التي لم يكن طعمها يختلف عن جناح الدجاج!!.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

4-2 بكرين و صدّامين وأربع قصص حزينة

2-16 دار اطباء مستشفى الكرامة

2-3 فوندو-سكوب