مشغول بهوى الاسمر؟

 ترككم مع صفحة جديدة من كتابي (يوميات طالب طب) والذي سيخرج بعنوان (فيض الذكريات.. يوميات طالب طب) قريباً ان شاء الله..



مشغول بهوى الاسمر؟

أثناء مدة دراستي في كلية الطب- جامعة بغداد بين الأعوام (1967-1973), وحين كنا في المرحلتين الرابعة والخامسة فقد ابتدأنا بنشاط مكثف جديد هو الإعداد لفعالية جديدة أسميناها (اليوم المفتوح) أو (المهرجان السنوي للكلية), فضلاً عن حفلات التعارف السنوية الرائعة, حيث تفتح الكلية أبوابها للزوار من مختلف الكليات الأخرى ومن مختلف فئات المجتمع في العراق, لزيارة أقسام الكلية والاطلاع والاطلاع على المختبرات الجديدة التي تم افتتاحها في كليتنا, وقد كنا نقوم في مختبرات (الفسلجة) بقياس ضغط الدم للزوار فضلاً عن احتساب ضربات القلب وانتظامها, بل وأحياناً إجراء فحص تخطيط القلب الكهربائي مجاناً!
وكان لرفع لافتات الترحيب بالزوار واستعمال الميكروفون الأثر الفعال في جعل المهرجان ذا شهرة وارتياح لدى الجميع وشعورهم بالسعادة والمتعة بكل تأكيد. وطبعاً كنا نعّد هذا المهرجان فرصة ثمينة لشد انتباه الآخرين وجلب انظارهم الينا! لعلنا نحصل على التفاتة كريمة أو نظرة أو كلمة إعجاب من الفتيات الجميلات اللواتي يزرن الكلية قادمات من الكليات الاخرى.!
وأثناء مرحلة الإعداد للمهرجان كنا نبقى إلى وقت متأخر من الليل نعلّق اللافتات واللوحات. كنتُ أنا أحد المنسقين الرئيسيين للمهرجان, وكانت عملية خط اللافتات عملية يدوية نقوم بها فوراً وعلى الموقع! فلم تكن هناك حواسيب أو طابعات ليزرية آنذاك, وخطّاطنا الرئيس هو أحد شباب دورتنا (زهير ابراهيم الشيخ) الذي كان ماهراً بامتلاكه موهبة الخط الجميل. (فضلاً عن موهبته الأخرى كشاعر)!. كان (زهير) ينجز أي لافتة أطلبها منه بوقت سريع جداً, وذلك بخطها على القماش الأبيض, لا تتجاوز بضع دقائق حتى تجد الساحة ومداخل الكلية والسلالم ومداخل المختبرات وحيطانها مملوءة بلافتات تحمل عبارات الترحيب بضيوفنا الكرام:
(اهلاً وسهلاً بالحلوات!)
(كلية الطب ترحب بزوارها من الكليات الأخرى)!
وربما كانت زميلاتنا يشعرن بالحنق والانزعاج من لافتة مكتوب عليها:
(نرحب بالجميلات)!
كانـت مكتوبة بخط كبير جداً ومعلقة على إحد الجدران!
من الفعاليات التي تصاحب حفلات التعارف في كليتنا كانت استضافة المغنيات والمغنين المشاهير للغناء, وكانت مطربة العراق الرائعة (عفيفة اسكندر) على رأس القائمة ومن المواظبين على المجئ والغناء لنا حبّاً في مهنة الطب والأطباء, مع مودّة خاصّة لطلبة كلية الطب (اوهكذا جعلتنا نشعر). وفي كل مرة كانت (عفيفة) تعتلي المنصة كنا نطلب منها أن تغني لنا اغنيتها المشهورة:
"أدري بيك مشغول بهوى الاسمر…. شايف خير ما احجي بعد أكثر"
و نناديها ونطلب منها ولا نتوقف عن الصياح..! حتّى تقوم بتغيير بعض كلمات الاغنية, وفي النهاية تذعن لنداءآتنا لتقوم باستعارة الفاظ اخرى:
"ادري بيك مشغول بهوى... (السستر)"!
كان هذا يخلق هستيريا عفوية لدينا!, إذ نتراقص على أنغام تلك الأغنية الجميلة! فالكلمات الجديدة تنسجم مع مهنتنا بعد التخرج فضلاً عن كوننا طلبة كلية الطب حالياً! (على الرغم من أننا لم نكن قد تعرفنا آنذاك على أي سستر)!. (والسستر طبعا اسم يطلق على الممرضة.. والتي هي رديف الأطباء في العمل.!)
ومن أغنياتها الجميلة الاخرى التي كانت تثير مشاعر المحبين وما يكابدون من آهات ولوعات من طلبة كليتنا ممن (انضربوا بوري)!, وتم صّدهم ورفضهم من قبل من يحبون, او أخرين انتهى حلمهم عندما خطبت الحبيبة لشخص أخر فكانت (عفيفة) تداعب جراحهم عندما تغني:
"حركت الروح لمن فاركتهم بجيت ومن دموعي غركتهم".
ولا أنسى زميلي وصديقي الذي أصرَّ على خطوبته وزواجه من قريبة له, كانت تبادله الحب, ولكن أمه كانت مصرة على منع ذلك الزواج بأي ثمن! زميلي هذا وفي يوم الحفل كان يلّح و(نلّح معه) على أن تغني (عفيفة) اغنية (حركت الروح) ليجهش ببكاء مرير طوال الأغنية (لاسيمّا عندما كان تحت تأثير المشروبات الروحية ولا سيما العراقية)!
اما اغنيتها الاخرى التي كانت تسبي المحبين الفاشلين من زملائنا فهي:
"أريد الله يبين حوبتي بيهم أريد الله على الفركة يجازيهم!"
بقيت (عفيفة اسكندر) تلك المطربة الرائعة المحبوبة والطيبة تغني لنا طيلة سنوات الطبية لغاية تخرجي منها عام 1973.
(ولمن يتساءل ماذا حلَّ بزميلي المحب الباكي, الذي فشل في إقناع أُمه بأن توافق على زواجه بحبيبته, ولكنّه فرض الأمر عليها وجعلها أمام الأمر الواقع, وزففناه حال تخرجنا من الطبيّة بزفة رائعة,
(وكان زواجاً موفّقاً والحمد لله).

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

4-2 بكرين و صدّامين وأربع قصص حزينة

2-16 دار اطباء مستشفى الكرامة

2-3 فوندو-سكوب