6-11 بريطانيا تدخل حرب

 6-11 يا لسعادتي!.. بريطانيا تدخل في حرب!!



    بعد ان استفقت من هول الصدمة في حادث السيارة الذي سببته الثلوج, حاولت قرع جرس الباب على أصحاب البيت, الا انه يبدو ان لا احد موجود.. كان قد تبقى وقت قليل لدوامي في المستشفى, وكانت رغبتي شديدة بأثبات أني طبيب ملتزم تماماً, حاولت تشغيل السيارة فاشتغلت, ثم تحركت بسيارتي.. وسرت ببطء شديد هذه المرة وتركتها في موقف سيارات المستشفى وداومت كأن شيئاً لم يكن!.
    أثناء الدوام اتصلت بالهاتف ب(زياد الدهنه) وسألته عن مصلح سيارات بارع, شرح لي عنوان شخص من الهنود اسمه (اليكس), عنده مرآب للتصليح يتولى جميع خدمات السيارات.. وبعد نهاية الدوام اخذتها الى ذلك المصلح والذي كان يعنمر العمامة الكبيرة التي تدل على انتمائه لطائفة (السيخ), قام بحساب تقدير أولي للتصليح, وتركت سيارتي عنده عائداً الى بيتي بسيارة أجرة..
    في صباح اليوم التالي خرجت مبكراً, كان أول ما عملته هو الذهاب الى البيت الذي هدمت سياجه, حيث وجدت اصحاب البيت هذه المرة.. اخبرتهم انني انا من هدم سياجهم واعطيتهم تفاصيل تأمين سيارتي. شكروني على أمانتي لأنهم كانوا اصلاً قد اتصلوا بتأمينهم, وكانوا قد سجلوا الضرر على أنه حصل بسبب العاصفة الثلجية ولكون سياج بيتهم قديم جداً!..كان من الممكن أن تزداد كلفة الأقساط السنوية على سيارتي بسبب ذلك الحادث الا ان قسط سيارتي كان أقل في نهاية السنة من التي سبقتها!, مما أوحى بان ذينك العجوزين لم يبلغا عني، وبذا تم تسجيل الضرر الذي حصل لبيتهم ضد مجهول. الا انني أرحت ضميري وعملت ما اعتقدت به صحيحاً.
    في أيام لاحقة اتصلت بي سكرتيرة بروفيسور رايت طالبة مني المجئ لمقابلته!.. جئته وانا ادور في ذهني ما هي المواضيع التي يمكن للبروفيسور ان يطلبني فيها, ولم أجد شيئاً يذكر.. ألقيت عليه بالتحيه وجلست قبالة ذلك الإنسان المتدين الطيب.. بادرني بالقول:
"اقرأ هذه"!..
    كانت رسالة بانجليزية سليمة قد وصلته من (الملحقية الثقافية) للسفارة العراقية, تستفسر فيها عن سير دراستي وتقدم تدريبي للإختصاص بالمفاصل! قلت له:
"وماذا؟"
اجاب: "ماذا اكتب؟"
قلت: "اكتب الحقيقة, وهي ان دراستي تتم على أفضل صورة ممكنة وان تدريبي يتم بشكل جيد جداً يؤهلني للنجاح في نهاية الدراسة!"
وحتى لا اترك له مجالاً للنقاش:
"ثم تذكرهم بأجورك عن أتعاب التدريبً"..
    في أحد أيام شباط 1982 رجعت من الدوام لأجد زوجتي تستقبلني بالبكاء والنحيب, أخبرتني أن تبليغاً من الشرطة قد وصل على عنواني يعلمنا فيه ان إقامة (جدة) اولادي قد انتهت وأن عليها مغادرة إنجلترا وسيتم ترحيلها قسراً خلال اسبوع واحد في حالة عدم مغادرتها!.. كنا قد اعتمدنا عليها كلياً في حياتنا اليومية, وكانت زوجتي مطمئنة في بحثها ودراستها للماجستير بوجود والدتها ورعايتها الحميمة لأطفالنا.. قضينا تلك الليلة في هم وغم شديدين..
    في الصباح التالي وبعد أن اوصلت ابنتي الى مدرستها جلبت انتباهي لافتة كبيرة لم أكن قد لاحظتها سابقاً (دائرة الهجرة واستعلامات المواطنين immigration and citizen advice office). حدثتني نفسي أن أجرب حظي وأسأل في هذه الدائرة عن مشكلة (جدة) اولادي, ودخلت باب تلك الدائرة التي كانت تشبه الدكان وبحجمه !..
استقبلتني موظفة بدينة جداً, عرفت من لهجتها انها (سكوتلانديه)، عرفتني بأسمها على انها (كارين) جلست قصادها وقضت بضع دقائق منصته الى قصة (جدة أولادي), ثم سألتني هل يمكنك التفكير بسبب مهم في أن تبقى العجوز معكم؟ فجأة اعتدلت (كارين) في جلستها عندما أخبرتها ان ابنتي كانت قد تمرضت مرضاً شديداً استدعى رقودها في المستشفى لبضعة ايام, وان ابنتي متعلقة عاطفياً بجدتها، وان ترحيل جدتها قد يسبب لها انتكاسة!.
قالت لي الموظفة: 
"هل بإمكانك أن تجلب لي رسالة من الطبيبة المشرفة على علاج ابنتك بخصوص حالتها؟"
أجبت "نعم ان شاء الله",
    وبعد خروجي من مكتبها اتصلت هاتفياً بالدكتورة الرائعة (كرستين هارنكتون) وشرحت لها انني احتاج تقريراً طبياً عن حالة ابنتي, ورجوتها أن ترسله بالبريد السريع هذا اليوم!. في اليوم التالي استلمت التقرير وأخذته للموظفة البدينة (كارين) والتي اخذت تكتب وتكتب على الآلة الطابعة ثم بعد انتهائها من العمل على الآلة الطابعة, سلمتني قصاصة صغيرة من الورق تحتوي على رقم وتاريخ. وقالت:
"انت الآن قد أقمت (دعوى قضائية) ضد وزارة الداخلية البريطانية! وهذه القصاصة تحتوي على (رقم وتأريخ) الدعوى!"
قلت لها: "وماذا افعل ان طرق الشرطي بابي لترحيل (العجوز)؟"
قالت:"وماذا تظن هذه التي في يدك؟" "(ادحس) الورقة في عين الشرطي إذا سألك!, واخبره أنك تنتظر قرار المحكمة بخصوص دعوى الترحيل!"
ثم قالت لي:"لا اظن أن حجتنا قوية, وقد لا تربح الدعوى! الا انني سوف ابقى أؤجل النظر بالدعوى قدر ما استطيع.. لمدة سنتين! هل تكفيك سنتين؟"
وقفت مذهولاً.. فأنا لا خبرة لي سابقاً بأحابيل الدعاوى والمحاكم!
وأجبت: "طبعاً..طبعًا! سنتين.. نعمة من الله!"
ألامر الذي ألجم لساني وأذهلني أنني سألتها:
"وماذا بخصوص اتعابك؟ اجورك؟"
أجابت: "أجوري.. هي راتبي من وظيفتي! انا اعمل لك مجاناً, أنا موظفة عند وزارة الداخلية!"
فكرت في داخلي:"يا سبحان الله! وزارة الداخلية تعطي راتباً لموظفة مهمتها أن تحل مشاكل الناس بما فيها اقامة دعاوى ضد وزارة الداخلية!"
    عدت إلى بيتي حيث بشّرت زوجتي بالخبر السعيد.. والدتها سوف تبقى معنا لسنتين على الأقل!.. بفضل دعوى قضائية (أقامتها وزارة الداخلية.. على نفسها)! وفعلاً لم يطرق بابنا أي شرطي طوال أكثر من سنتين!
    في منتصف عام 1982 وأثناء احدى ندوات مركز بحوث الروماتيزم, سمعت خبراً مثيراً وذلك ان أخي وزميلي الدكتور (حامد الشكرجي) والذي كان ال (رجسترار) في المستشفى الخاص بأمراض المفاصل (رويال باثRoyal Bath Hospital) في (هاروكيتHarrowgate) قد استقال من وظيفته ليلتحق بوظيفة أعلى منها, في (ولفرهامبتون) القريبة من (برمنجهام), وان وظيفته معروضة الأن لمن يتقدم للترشح لها!..
    في ليلة المقابلة الخاصة بتلك الوظيفة هرعت الى استاذي (البروفيسور رايت) واخبرته عن رغبتي باشغال تلك الوظيفة. لم يتردد البروفيسور لحظة واحدة وإنما رفع سماعة الهاتف واتصل بأحد الأطباء الاستشاريين المعنيين بالمقابلة في مستشفى (رويال باث) وأخبرهم برغبته الشخصية (وتزكيتي) لوظيفة ال(رجسترار) تلك!.
    في اليوم التالي كنت جالساً في إحدى غرف مستشفى (رويال باث) في مدينة (هاروكيت) القريبة من (ليدز) بين حوالي سبعة أشخاص كانوا المتقدمين لتلك الوظيفة. كانت هناك لجنة من اثنين من الاختصاصيين واحدى الموظفات, وقابلونا فرادى الواحد بعد الآخر.. لم يبد على اللجنة اي نوع من العواطف او المشاعر نحوي.. مما أقلقني لوهلة.. ثم وبعد انتهائهم من مقابلة آخر مرشح, جاءت الموظفة الى غرفة الإنتظار ثم نادت على اسمي و هنأتني بانني قد نلت تلك الوظيفة!..
    كان (حامد الشكرجي) يسكن في دار مجاور للمستشفى, دارٍ جميلةٍ مطلةٍ على حديقة عامة رائعة.. وكانت هذه الدار ستكون من نصيبي, لولا ان زوجتي عارضت بشدة فكرة انتقالنا من شقتنا في (ليدز), حيث تذهب هي مشياً على الأقدام, وعلى مبعدة خمسة دقائق فقط عن القسم والمختبر الذي تجري فيه بحوثها للماجستير, كما كانت مدرسة ابنتي قريبة جداً وهي جيدة جداً.
    (هاروكيت) تبعد حوالي نصف ساعة بالسيارة عن (ليدز) والطريق إليها هو جنة من الجنان حيث تمر بمزارع لتربية الخيول وتمر بأحد قصور العائلة المالكة, ثم تمر من حدائق جميلة جداً لتصل الى (هاروكيت) المدينة التي يسكنها أثرياء (ليدز) من اليهود!. لذلك اصّرت زوجتي على أن من مصلحة عائلتنا ان نبقى بنفس شقتنا, وان اذهب يومياً بسيارتي للدوام هناك..
    بعد استلامي وظيفتي الجديدة في (رويال باث هوسبتال) تم اصدار امر رسمي لي بتغطية (العيادة الاستشارية للمفاصل) في مستشفى (سانت جيمس) في (ليدز) كل يوم جمعة بعد الظهر, وبذلك صرت انزل ظهراً للعمل في تلك العيادة ومنها ارجع الى بيتي بينما يقوم المستشفى بدفع اجور استهلاك السيارة و(مسافة الطريق المحسوبة بالأميال) ذهاباً واياباً إلى (هاروكيت) وبذلك كانت تغطي جميع مصاريف استعمال سيارتي!.
    في بداية نيسان 1982 حصل أمر زلزل كل بريطانيا! فقد قررت (حكومة العسكر) في (الأرجنتين) التخلص من أزماتهم الاجتماعية والسياسية, بتجنيد الشباب قسراً, ثم اقتحام جزر (فولاكلاند Falklands) التابعة لبريطانيا, باعتبار أنها قريبة جداً من ساحل الأرجنتين وبالتالي لا شأن ولا حق لبريطانيا بامتلاكها!.. كانت محطات التلفاز لا تنفك من نقل اخبار احتلال القوات الارجنتينية لتلك الجزر التي استسلمت لهم دون مقاومة. اصيب الناس جميعاً وانا وعائلتي منهم بالهلع, ف(طبول الحرب) بدأت تقرع!.
    بعد بضعة ايام ايام ارسلت رئيسة الوزراء (مركريت ثاتشر) اسطولاً حربياً (لتحرير) تلك الجزر!. استعرت حرب ضارية ومدمرة بين البلدين وسط توتر تام في الشارع, ولم يكن هناك حديث غيرها في انكلترا, وفي المستشفى الذي اعمل فيه,
    تم تدمير عدة بوارج حربية انكليزية هلك فيها الجنود الانكليز كما تم تدمير آليات كثيرة للارجنتين في حرب شرسة! يالهي حرب بين العراق وايران انا هارب منها، والآن بريطانيا هي الاخرى قد دخلت حرب لا نعرف نتائجها!

تعليقات

  1. الاخ الغالي دسامي المحترم اود ان اشير الى نقطتين على عجاله الاولى هو ان كتابة المذكرات الشخصيه تحتاج الى تصالح عالي مع الذات وسلام داخلي لكي يعرض المرء ما بداخله وما حصل له امام الاخرين بكل صدق وشفافيه وثانيا ان الله سبحانه وتعالى والقدر كانا بصفك دوما لان حياة البشر عموما لاتسير هكذا مثل القصص والروايات ونهاياتها ليست دوما سعيده كما يقول الكاتب الالماني بريشت او بريخت وان الذي حصل معك هو توفيق من الله سبحانه لك لكونك انسان رائع من الدخل والخارج ظاهرا وباطنا بالتوفيق الدائم عزيزي د رمزي هادي

    ردحذف
    الردود
    1. اخي الغالي رمزي .. كم انا سعيد انك قد عقبت على مدونتي وبهذا الشكل الرائع... اتمنى ان تجد الصفحات المقبلة قبولاً عندك وارى تعليقاً منك كي يثري الموضوع.. هل عندك فيسبوك؟ حيث ان الصفحة على الفيسبوك مقروءة بشكل اكثر بكثير من الكوكل.. ممع كل الحب

      حذف
  2. اخيالعزيز د سامي المحترم انا اتابع صفحتك على الفيسبوك ايضا ولكن اشعرهنا بالخصوصيه اكثر معك ومع الاصدقاءلان الفيسبوك لديك فيه معجبين كثار جدا ومن كل الفئات (ما شاء الله) كتاباتك مشوقه جدا وانا اتابعك في كل مكان تكتب او تظهر فيه تحياتي مع المزيد من هذه الكتابات الرائعه. درمزي هادي

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

4-2 بكرين و صدّامين وأربع قصص حزينة

2-16 دار اطباء مستشفى الكرامة

2-3 فوندو-سكوب