2-18 جندي في الجيش العراقي

 2-18 جندي في الجيش العراقي


 ا د سامي سلمان

في أيلول 1974, وبعد  انتهاء الأشهر الثلاثة في (طب الأطفال)  بمستشفى الكرامة وبعد إتمام سنة كاملة من الإقامة الدورية, تم تزويدي  بكتاب إلى (مديرية تجنيد الكرخ) قرب (كراج العلاوي) الحالي ينبئهم بإنفكاكي من وزارة الصحة، حيث قام (عريف القلم) بإخراج بطاقتي لديهم والتي كتب عليها في كل سنة من السنين الستة السابقة (مؤجل من الخدمة العسكرية لكونه طالب في كلية الطب بموجب كتاب كلية الطب المرقم كذا). أمّا في هذه المرة فقد كتب (يسوق لزوال اعذاره) حيث تم تأشير التحاقي (بالخدمة العسكرية), وتم تزويدي بكتاب (بخط اليد) للإلتحاق ب(مدرسة الطبابة العسكرية)..

(مدرسة الطبابة العسكرية) تقع في (معسكر الرشيد) بجوار  (مستشفى الرشيد العسكري), وفيها يتلقى (صنف الطبابة) من أطباء واطباء أسنان وصيادلة التدريبات العسكرية الأساسية (المشية العسكرية والى (يسار در واليمين در) وتفكيك وتنظيف وتركيب البندقية النصف آلية السمنوف), قبل التحاقهم بالوحدات العسكريّة الفعالة. 

في أول  يوم  لنا  في  (مدرسة  الطبابة) تم تسليم كل واحد منا  بدلة عسكرية بنية اللون  من القماش  السميك,  و(بيرية) و(بسطال) لونه أسود وهو ما يميز الضابط عن الجندي!. وأترك للقارئ أن يتخيل حجم الجلبة والضوضاء التي احدثناها ونحن نستبدل ملابسنا حسب قياسات كل واحد منا!.

في الأيام الأولى من  التحاقي جرى تواصل مكثف  بيني وبين زميلي (عجيل العجيل) والذي يسكن  على  مبعدة ثلاثة بيوت  عن بيتنا,  وذلك لتنسيق ذهابنا فجر كل  يوم الى المعسكر, والخبر المفرح ان صديقه وهو من نفس دورتنا لكن من خريجي (طب الموصل) يسكن (حي القادسية) قد  تطوع  بأن يوصلنا فجر كل يوم بسيارة والده ال(الفيات-بولسكي) البولندية!. 

(محمد جنيد) اثبت كونه انساناً رائعاً طيب الخلق حسن  المعشر و ملتزم دينياً. صارت رحلتنا في الذهاب والإياب متعة بددت خشيتي من معاناة الوصول الى مدرسة الطبابة جزاه الله خيراً.

إقتادنا العريف (حميد)  والعريف (ريسان) إلى قاعة بسيطة تحيط بها ممرات  مبلطة, حيث قاما  بتلاوة التعليمات من كتيب (كراسّة الجندي) علينا, وما يتوجب علينا فعله  وما يتوجب تجنبه. وفي  الأيام الأخرى كان التدريب  على المشية العسكرية اولاً  برتل  يقوده  اثنان منا يسمونهم (القدوات), حيث تنتظم  مسيرة جميع الرتل على وتيرة حركة (القدوات). وبعد ذلك ببضعة اسابيع صار مشينا ب(كردوس)  يقوده ثلاثة من (القدوات). 

كان من أشد  الأمور إمتاعاً  هي  المسيرة بإتجاه مستشفى الرشيد, ثم  على  سدّة نهر دجلة حيث الهواء  العليل والإستمتاع بالتوقف قليلاً على  ضفة نهرنا الخالد..

 وفي إحدى المرّات  كان  درسنا  عن (القش والاختفاء) اي  (الغش والاختفاء) وفيه نتعلم كيف نموّه  ملابسنا وغطاء رأسنا بأغصان الأشجار والاختباء بين  الأحراش  الكثيفة  والشجيرات. وكان العريف  (حميد)  قد  |أوعز  سرّاً لاثنين من الجنود الدائميين في الجيش (جندي  متطوع) بأن يقوم كل منهما (بالتمويه) و الاختباء بين الأحراش والشجيرات الكثيفة على  ضفة دجلة. وبعد  وصولنا بمسيرتنا إلى حيث اختبأ الجنديان, أوعز لنا العريف بأن  نحاول ومن حيث  وقفنا على سدة النهر أن (نحزر) أين اختبأ الجنديّان.  تمكن بعض الخبثاء من زملائي من التعرف  على مكانيهما (رغم اتقان تمويههما) وبذا أخذ الزملاء  بإمطارهما بوابل من الحجارة وهم يهتفون (هيّانهم..  لكيناهم)..  ليهرب المسكينان ركضاً يلاحقهم مطر من عشرات الحجارة رغم صراخ العريف آمراً لنا بالتوقف عن  (رجمهما بالحجارة), وكانت تلك متعة (مؤسفة) لم انسها رغم  السنين!

من الأمور الممتعة كانت عندما أجلسنا (العريف حميد) على أرض القاعة, وقام بإعطائنا (درساً), (وهو يعتذر), عن (الصحة العامة والجراثيم) غير آبه بكوننا جميعاً من الأطباء!.. ففي الجيش (الأوامر.. أوامر).. ومنهاج  التدريب ثابت ومقرر على الجميع دون إستثناء!.. وهو ضمن كراس مطبوع اسمه  (كرّاسة الجندي). ومن المفارقات الطريفة إن الذي  قام بكتابته هو (فاروق  الحريري), شقيق زميلنا  (سعد  الحريري)!.. والطريف  في  الأمر أنه كان  فيه  خطأ مطبعي, حيث وردت  فيه كلمة (فهوة البندقية) بدلاً عن (فوهة البندقية).. وبقي العرفاء يقرؤون (كراسة الجندي) بنفس الخطأ المطبعي على الجنود وبقيت  (فهوة) البندقية تستعمل في الجيش  العراقي ولسنين طويلة دون تصحيح حتى صارت أمراً واقعاً!.

كانت رواتبنا ومقدارها (65 خمسة وستون ديناراً شهرياً) قد  قطعت عنا في يوم انفكاكنا من (الصحة) للالتحاق (بالخدمة العسكرية), وبعد شهر من تدريبنا تم إبلاغنا  أن نراجع الحسابات كي نستلم راتب الجندي ومقداره (اربعة دنانير الاّ ربعاً), ذهبنا ونحن نجر الخطى لإستلام (الراتب) حيث أخبرونا إن  إستلامه اجباراً وليس اختياراً!. وتم تحذيرنا بأن عدم استلام الراتب سوف ينظر إليه على اعتباره (تذمّراً.. وعصياناً)!

بعد بضعة أسابيع تمكنت من (تهريب) كاميرتي الخاصة ال(كانون) داخل المعسكر والتقطت العديد من الصور التذكارية لزملائي بقيت لحد الآن, ربما تكون دورتنا هي الوحيدة التي تم توثيق خدمتها في مدرسة الطبابة بالصور, الأمر الذي يعتبر (محرمّاً) في السياقات العسكرية!.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

4-2 بكرين و صدّامين وأربع قصص حزينة

2-16 دار اطباء مستشفى الكرامة

2-3 فوندو-سكوب