17- إستجمام في (أربيل)

 هذه  المدونة تحكي عن فترة خدمتي  الالزامية في الجيش (1974-1976) حيث تم منحي رتبة ملازم مجند احتياط في الحرب التي دارت في شمال العراق بين الجيش العراقي من جهة وبين المقاتلين الذين كانت تسميتهم الرسمية (العصاة) (المتمردين الاكراد) وتساندهم القوات الايرانية. 

17-إستجمام في (أربيل)

 أ.د.  سامي سلمان
بعد (إتفاقية آذار) توقف القتال تماماً وعاد الهدوء الكامل على الجبهة, وكانت عودتي الى مقر (وحدة الميدان الطبية الخامسة) والذي يشغل مبنىً كبيراً قريباً من (مستشفى أربيل العسكري).

    مرت الايام مريحة في أربيل كنت أكلف بواجب (ضابط خفر) وحدة الميدان لمدة أربع وعشرين ساعة كل ثلاثة أو أربعة أيام، كان مؤشر إنني (خفر) في ذلك اليوم هو أن أحمل الى جانبي المسدس ال(توكاريف) الروسي الذي استلمه من زميلي ضابط خفر الليلة السابقة,  في الصباح وقبل تناول الفطور! كان مسدساً ربما يزيد وزنه (مع عتاده) على الخمسة كيلوغرامات!، اقوم بتعليقه على (نطاق) بدلتي العسكرية الى جانب بنطالي إيذاناً بكوني الضابط الخفر لذلك اليوم, وكنا أحياناً نحاول أن نخبأ انفسنا لأطول فترة ممكنة لتجنب إستلام ذلك المسدس الثقيل, وبالتالي ذلك الواجب الذي يماثله ثقلاً.

     كان واجبي يومها أن أستقبل (عريف المطبخ) قبل حلول الظهر, يحمل معه (نموذج) من وجبة الطعام الذي طبخه  للجنود.. عادة  الرز مع المرق, لفحصه والتأكد من صلاحيته  للتناول, واجبي أن أتذوق على الأقل ملعقة واحدة منه لبيان رأيي فيه والسماح بإطعام الجنود منه...

     كما كان من واجبي أن أكون (حاكم) وأن أبتّ في أمر الجنود المخالفين والذين تتوجب تطبيق إحدى العقوبات عليهم, المنصوص عليها في القانون العسكري (والذي لم أكن اعرف عنه شيئاً)! وبالتالي نكون أنا والجندي المخالف تحت رحمة (رئيس عرفاء الوحدة) الذي يقوم بشكل غير مباشر, أحياناً بالتلميح وأخرى بشكل مباشر, بتوجيهي الى نوع العقوبة التي يجب فرضها!

     كنت ارى الظلم الفادح الذي يمارس في الوحدات العسكرية لكن لم يكن بيدي فعل شئ.. في إحدى المرات جائني (رئيس عرفاء الوحدة) وقد إقتاد (نائب عريف) تم ضبطه وهو يتناول الخمر, وعرفت إنها  جريمة كبيرة في القانون العسكري, لم أكن أعرف عقوبتها, لكن (رئيس العرفاء) أشار علي بأن العقوبة هي (إسبوع سجن و حرمان من النزول في ألإجازة  الدورية!) فكرت  بأنها عقوبة قاسية, وترددت ثم سألت إن كان بالإمكان اختصار العقوبة بسجن (يومان),  وبعد مساومة مع (رئيس العرفاء) تقرر ان يكون السجن (ثلاثة أيام) لكني فشلت في ما يخص بحرمانه من النزول في إجازته الدورية, لأن أي عقوبة سجن تعني بالضرورة إبقائه في الوحدة وعدم النزول لستة اسابيع اخرى!. وكنت متألماً جداً لذلك, فقد كنت (غير مقتنع)  بفرض تلك العقوبة, في نفس الوقت الذي كان آمر الوحدة.. وبعض ندمائه من الزملاء.. لا يتوقفون عن شرب الخمر من الغروب وحتى منتصف  الليل.. وفي كل يوم!..

      أحد زملائنا من الأطباء العاملين في (مستشفى  أربيل العسكري) كان في ذلك اليوم (ضابط خفر المستشفى), وكان قد تم ضبط مجموعة من الجنود من مرتكبي إحدى الجنح البسيطة, وجاء بهم (رئيس عرفاء الوحدة) إلى الباب المغلق ل(سكن ضباط المستشفى),  لكن صاحبنا أخرج رأسه من شباك غرفته في الطابق العلوي, وصاح ب(رئيس عرفاء الوحدة), وأمره بالبقاء مع ال(مذنبين) خارج مبنى المستشفى.  الوقت كان غروباً وهذا الزميل كان مستلقٍ عارياً في غرفته وعلى سريره بعد نومة قيلولة إثر غداء دسم, إرتدى صاحبنا هذا  الجزء العلوي فقط من بدلته العسكرية والذي يحتوي على رتبته كضابط, ثم وقف في (طارمة) غرفته بينما الجنود (المذنبين) أسفل منه على الرصيف ثم أخذ يعطيهم الأوامر بالزحف على البطن لمسافة معينة ثم العودة, و إجراء ال(شناو) عشر مرات ثم الزحف مرة أخرى ثم (شناو) عشر مرات اخرى,  وما إلى ذلك من وسائل التدريب و(التعذيب), هو يعطي الأوامر من الشرفة, وهم على مسافة ثلاثة أمتار أسفل منه.. وهو مرتدٍ (ملابسه الداخلية) والجزء العلوي فقط  من بدلته العسكرية! والمساكين ينفذون الأوامر!.. لست أدري ماذا أسمي ذلك التصرف وبماذا أصفه, ألا بكونه (ظلم) و(لا أخلاقي)!

             زملائي في  وحدة الميدان كانوا من دورتي بالتخرج (73 ) (نزار الصفار) و(عوف عبدالرحمن) وطبيب الأسنان (رعد محي الدين) وطبيب الأسنان (خيرالله الحديثي) والصيدلي (سردار ميرزا) وهو شقيق (صباح ميرزا) مرافق (صدام حسين) المشهور. ودأب الأخ الدكتور (قاسم شمال) والذي كان يعمل كطبيب إختصاص الباطنية في المستشفى بزيارتنا للغداء معنا..

قام الأخ قاسم شمال (فيما بعد) بتذكيري بضابط الرواتب في وحدة  الميدان والذي كان إسمه (سعد)..

(سعد) هذا  كان يبدأ بشرب الخمر من  الساعة 5 عصراً!  وعندما كان يسأله:

 "ليش من الساعة 5؟  مو من وكت؟"

 يجيب: " دكتور ماكو وكت!..  

لأن شوكت أسكر؟ 

وشوكت أتعشى؟

 وشوكت أزوّع؟

  وشوكت أنام؟"

(ملاحظة (شوكت) باللهجة البغدادية هي دمج لكلمتين (إيش وكت) (أي وقت)


تعقيب من الاخ الدكتور انعم الصالحي:

عملية تذوق "النمونة" ... تصاحبها طقوس و إجراءات ...

ان يحضرها ضابط الصف الطباخ ... في صينية ... بصحبة عريف الخفر ... و بعد اداء التحية العسكرية ... تجري عملية التذوق ... فقط ... فقد كان من غير المقبول ان تتناول الصحن بأجمعه....

خلال "حربنا" التي عشناها في الثمانينيات.... صدر توجيه حكيم ... بعدم استخدام "منع النزول" كعقوبة... 

و لكن الاجازات الدورية كانت على الاعم الاغلب ... تتأخر عن مواعيدها ... بسبب ظروف الحرب ....


تعليقات

  1. جميلة هي طريقة اعطاء الاوامر من قبل ضابط بنصف الملابس..مثل مذيعي الراديو...الناس تحكم على الظاهر

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

4-2 بكرين و صدّامين وأربع قصص حزينة

2-16 دار اطباء مستشفى الكرامة

2-3 فوندو-سكوب