13- سنة جديدة سعيدة في أعالي جبل (تاتان)

 تــنــويــه: 


الصفحة التالية –على خلاف المعتاد- لم أكتبها أنا, فهي قد ارسلها لي زميلي الطبيب المختص بفحص وضائف القلب د(حارث بلال). 

(د حارث) كان زميلي في الإعدادية في (كلية بغداد) 1962-1967 ثم في (كلية الطب جامعة بغداد) 1967-1973 وبعد خدمة الإقامة الدورية تم تسويقه معي للخدمة العسكرية في مدرسة الطبابة العسكرية في معسكر الرشيد ثم تم زجه في حرب شمال العراق عام 1974. ارسل لي ما كتبه عن ذكرياته في الخدمة في الشمال وهي الحرب التي استمرت خمسة سنوات بين الجيش العراقي و(العصاة) ألاكراد  تدعمهم وبكل ثقلها قوات (شاه إيران), ووجدت الانسب ان افرد لها صفحة كاملة لوحدها.. لأنها تستحق ذلك, أرجو أن تروق لكم.
ملاحظة ثانية: حاولت أن اترك النص كما أرسله أخي د حارث دون الكثير من التصحيح, وذلك حفاظاً على أمانة النص.

13- سنة جديدة سعيدة في أعالي جبل (تاتان)

اد سامي سلمان

31/ 12/ 1974

         بعد عدة ايام لوجودي في مفرزتي الطبية المتجحفلة في  مقر الفوج  (ف2ل3 فق8) وفي يوم 31 /12 /1974 استيقظت الساعة السابعة والنصف صباحا والقصف المدفعي مستمر علينا بمعدل قنبلة كل خمس دقائق (مدفعية شاه ايران، صاحب خامس أقوى جيش عالميا)، قررت في قرارة نفسي أن لا اسمح لذلك القصف بأن يؤثر على معنوياتي, وقررت أن أظل ساهرا حتى الساعة الثانية عشر ليلاً، موعد بدء السنة الميلادية الجديدة, وأحتفل –لوحدي- برأس السنة  كما كنت أفعل كل سنة, والتي كنت  اسهر ليلتها في أحد النوادي في بغداد.

      في تمام الساعة الثامنة صباحا اشتد القصف المدفعي علينا وإزدادت وتيرته و استمر لغاية الرابعة والنصف عصراً.... وثم وفجأة سكت القصف!.

قلت لأعضاء مفرزتي الطبية "الحمد لله.. لقد سكت القصف"

أجابوني: "هذا القصف الشديد..  سوف يتبعه هجوم علينا"!

أحسست ذعر وخوف شديد, وإتصلت بالأمر وقلت له "سيدي.. ربما سيكون هناك هجوم علينا".

اجابني : "دكتور..اليوم عليك أن تتوقّع كل شيء!. إرسل لي حب براسيتول.. ارسله فوراً"!.

قلت له وأنا أشعر بالرعب يسري في جسدي: " سيدي انا معي مسدس فقط، لكن لا أعتقد أنه سيفيد في هذا اليوم. وانا ومفرزتي الطبية معزولين".

أجاب: " هناك جنود يحمونكم تحت الشارع".

تذكرت إن الجنود المقصودين هم عدة جنود..في المحل الذي يبيع الفواكه وغيرها لباقي الجنود (التحفية)!.

   بعد وقت قصير جائني أحد الجنود وسلمني رشاش مع عدة مخازن رصاص. وبعدها بربع ساعة, إتصل بي ضابط الاستخبارات وقال لي: "دكتور .. لماذا لم تستلم رشاش من مقرنا في أربيل عندما عرضوه عليك؟. نحن هنا كل شخص معه سلاحه الشخصي وليس عندنا قطع سلاح  زائده,  وانت أجبرت الأمر أن يعطيك سلاحه الشخصي"!.

انا خجلت كثيرا وأرجعت الرشاش والمخازن إلى الأمر.

       وفعلا بدء الرمي بالأسلحة المتوسطة والرشاشات الثقيلة والدبابات.  وبعد فترة سكت الرمي وساد الجو صمت مميت.

سألت: "لماذا سكت الرمي؟".

أجابوني: "اما إن سرايا فوجنا قد نجحت في صد الهجوم.... أو أن (العصاة) قد أجهزوا تماماً على جنود سريتنا الامامية, وهم متجهون نحونا الان"!.

     ذهبت إلى ملجأي.. وبكيت بحرارة لأني سأموت دون أن أرى عائلتي. وقررت انه اذا مرّ هذا اليوم سلامات، سوف امحي كلمتين من حياتي هما ( الخوف واليأس).

بعد فترة وجيزه جاء الخبر السعيد.. إن سرايا فوجنا قد صدت الهجوم,   وقتلت المهاجمين وحسب أوامر آمر الفوج  الذي أوصاهم بضبط النفس, وعدم الاستعجال بالرمى حتى لا ينفذ العتاد.. وحتى يقترب المهاجمون ويكونون في مرمانا وفي اضعف اوضاعهم وهم يتسلقون الثلج.

وعند اقتراب المهاجمين ضربهم جنودنا بقنابل الإنفلاق الجوي حيث نزلت عليهم الشظايا من فوق رؤوسهم ولم يسلم احد منهم، وكذلك قام جنودنا بالرمى عليهم بالرشاشات. قتلوا جميع المهاجمين, وجلبوا جثة محمولة على البغل الى مقر الفوج على إنها جثة قائد الهجوم.

نمت مباشرة بعد انتهاء الهجوم وتنازلت عن قراري بالسهر لحين تحول السنة,  فغداً سيبدأ عام جديد هو 1975.

      بعد ذلك الهجوم بإسبوعين حان وقت اجازتي الدورية وصادف أن سيارة (واز) كانت نازلة بإتجاه (أربيل) فأسرعت بالركوب فيها، وكنا ننزل في اجازاتنا ليلا كي نقلل من إحتمال أصابتنا من قبل المدفعية والقناصين المتربصين بنا من المغارات العالية في الجبال المجاورة.

       كان اسم السائق( مجيد ) وقد أطفأ المصابيح الأمامية للسيارة وقام بتغطية الضوء الثانوي ( سكن لايت) بالطين عدا الجانب السفلى منه. إنتبهت الى إنه, وفي كل بضع  دقائق كانت السيارة تنحرف عن الطريق وتتجه نحو الوادي،  وفي كل مرة كنت أصرخ به "مجيد.. مجيد .. يمعود احنا رايحين للوادي". اجابني مجيد "انا قلت لهم.. ان أنا مصاب بالعشو الليلي ولا أرى جيداُ في الليل.. ولكن لا أحد يسمعني".

قلت له: " لماذا لم تقل لي هذا الكلام قبل أن اصعد معك بالسيارة؟ لماذا لم تخبرني؟". وبالمعجزات أوصلني إلى منطقة (خليفان)  وتوقف هناك.

        نزلت من السيارة وكان الظلام دامساً.. ولا توجد أي سيارة.

فجأة  وبعد أن سرت بضعة خطوات سمعت صرخة مدوية "مكانك قف. سر الليل"؟

أجبته وأنا أرتعد "أنا طبيب من القطعات الأمامية.. ولا اعرف سر الليل". قام  جندي الحراسة بتفتيشي, وقال لي: "أين ستذهب بهذا الليل؟  نم عندنا وفي الصباح سوف يحلّها الله ".

عند الصباح وجدت سيارة (واز) ذاهبة إلى (أربيل) وركبت مع السائق الذي  سألني عن مكان  وحدتي, قلت له "بجبل تاتان وظهر السمكة". نظر لي كأنه قد رأى شبحاً.. وقال باعتذار شديد "صحيح نحن هنا.. لكن قلوبنا معكم". علما أن منطقتهم (خليفان) قد ضربت بعشرين صاروخاً قبل يوم واحد!.

        وهكذا..بالمعجزات وصلت إلى (أربيل) ونزلت إلى بغداد في أول إجازة لي بعد التحاقي بجبهة حرب الشمال.. ضد  (العصاة)ً!.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

4-2 بكرين و صدّامين وأربع قصص حزينة

2-16 دار اطباء مستشفى الكرامة

2-3 فوندو-سكوب